مُنذ أن كُنا صغاراً.. كنا نستمع في مدارسنا وفي البيوت إلى قصصٍ وحكاياتٍ من القرآن والأحاديث، منها ما يستوعبه العقل ومنها ما كان أكبر من أعمارنا آنذاك،
وكانت بعض القصص منطقية كنهاية الدنيا وقيام الساعة إستناداً لأن لكل شئ نهاية وكان أكبر دليل يجعلنا قادرين على إستيعاب هذا هو نهاية حياة أقرب شئ تراه أعيُننا وهو الإنسان، وأشياء أخرى كثيرة كانت منطقية لعقول الصغار والكبار؛ لا شك فيها ولا يستدعي استيعابها وقتا كبيراً، ولكن كانت هُناك أيضاً بعض الأمور التي كانت غير منطقية والتي كان بعضها يحير الصغار وبعضها الآخر كان يُحير الكبير منا قبل الصغير،
كبعض علامات الساعة الصغرى؛ كتشبه الرجال والنساء ببعضهم وهو الوقت الذي سيأتي علينا يتشبه فيه الرجال بالنساء والعكس، كان هذا أمراً يُحير العقل، ما السبب الذي سيدفع الرجال بوقارهم وخشونتهم وكل ما يُمَيزهُم للتشبه بالنساء؟! ، وأيضاً لم يخطر ببالنا وقتها ما هي الأشياء التي قد تعجب المرأه في الرجل لتتشبه بها، فهي مثلا لن تستطيع أن تطلق لحيتها، ولن تستطيع أن يكون لها شاربا وحتى لو قامت بقص شعرها هذا لن ينفعها بشئ فشعرها من عوامل جمالها لذلك كان تشبُّه الطرفين ببعضهما البعض أمراً غير منطقياً،
وأيضاً من الأمور التي حيرت عقولنا كثيراً؛ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إنقسام المسلمين لبضع وسبعين فريقاً، فالمسلمون وقتما قيل هذا الحديث ووجود القرآن وهو دستور ومنهج يدعوا الى الاتحاد والتوحد والاعتصام بحبل الله وإيمانهم الكامل عن اقتناع، كل هذا يجعل الانقسام أمراً غير منطقياً، ربما إن حدث خلاف يكون الانقسام لفريقين أو أكثر بقليل لكن هذا العدد تجد شعوراً أنه ربما يكون مبالغ فيه،
وأيضاً من ضمن علامات القيامة الصغرى “الكاسيات العاريات” ويقصد بهذا التعبير أن يصل الحال بالنساء أن تكون ملابسهن كعدمها وتُبرز المفاتن ولا تستر شيئاً، وهذه العلامة لو استمعت لها قبل وقتنا هذا منذ زمن بعيد، كنت تجد أن النساء بحشمتهن ووقارهن وخجلهن وملابسهن التي لا تظهر من اجسادهن شيئاً كل هذه العوامل كانت تجعل لك ظهور “الكاسيات العاريات” أمراً شبه المستحيل وخصوصاً في مجتمع شرقي له عادات وتقاليد تميزه عن سائر المجتمعات،
والكثير والكثير من الأمور التي كانت غير منطقية ولا يستوعبها عقل، ومع الوقت أصبحت هذه الأشياء تحدث تدريجياً دون شعورنا بأن هذه الأمور التي كانت في الماضي القريب لا تستطيع عقولنا استيعابها او ايجاد سبباً منطقياً لها، ومن أبرز تلك العلامات في وقتنا هذا رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم في حديثه حين قال: “والذي نفسي بيده؛ لا تذهب الدنيا حتى يأتي على النّاس يومٌ لا يدري القاتل فيما قَتَل، ولا المَقتول فيما قُتِل”..
عندما كنا تستمع لهذا الحديث منذ زمن بعيد وتتأمل معناه والحالة التي يصفها صلى الله عليه وسلم في حديثه نجد أنه يَصعُب على عقولنا إيجاد سبب يجعل بشر لهم عقل أن يَصِلون لحالة ربما الحيوانات لا يصلون لها، فالحيوانات يتقاتلون من اجل أشياء معلومة ومنطقية، ومع ذلك ورغم عدم منطقية كل هذه الأمور قبل حدوثها إلا وتحدث القرآن والأحاديث النبوية عنها قبل آلاف الأعوام من وقتنا هذا وحتى سنوات قريبة كانت هذه الأشياء مازالت غير منطقية بالنسبة للغالبية وتعجز غالبية العقول عن تفسيرها أو إيجاد سبب منطقي لحدوثها، حتى حدثت وكانت احداها تُمهِد لحدوث الأخرى،
ومع الأيام كان هذا الشك الذي كان في عقولنا منذ الصغر ما هو الا عبقرية الهية للتمهيد لمعجزات تتناسب مع عصورنا وتقوي إيماننا بما أنزل الله، فلكل زمن معجزاته التي تتناسب مع التطورات التي يعاصرها ابناؤه، وكان حدوث هذه الاشياء بمثابة مُعجزة كافية للتصديق على آيات القرآن جميعُها التي كانت تؤكد صدق كل ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وبالأخص الآيتين الرابعة والخامسة في سورة النجم ” {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى} (3) {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} (4) ” فحقاً لو كان هذا كلامُ نابع من عقلٍ بشري لحاول سرد أشياء منطقية فقط، وابتعد كل البعد عن كل ما هو غير منطقي حتى لا يجد الناس في كلامه شيئاً يُثير الشكوك ويؤثر على دعوته، ولكنها دلالة كافية على أنه كلام منقول من الله عز وجل، وأكدت على صدق هذا الكلام تلك المعجزات اللامنطقية التي ذُكِرت قديما ونعاصرها في وقتنا هذا.