أثناء المرحلة الثانوية كنت أقرأ وأسأل عن الكليات العلمية والأدبية والمناهج التي يدرسونها لأحدد أي طريق سأسلُك، فوجدت أن المسار الأدبي أسهل ولكن كلياته لا تناسبني، والمسار العلمي مجازفة غير منطقية بالمرة بسبب الضغوطات الكثيرة والتي تحتاج لتفرغ تام أثناء فترة الدراسة وفي النهاية يمكن لأقل من درجة أن تحطم حلم شاب وتغير مسار حياته من كلية لكلية أخرى وبعد جحيم 3 سنوات يجتمع مع طالب أدبي في كلية التجارة.
بعد تفكير دام لفترة طويلة، وجدت أن المسارين غير مناسبين بالمرة، فقررت اللجوء للبحث العلمي الذي تعلمت منه كيفية تحليل المشكلات بصورة سليمة للوصول لأنسب نتيجة، فقمت بسرد كل مميزات وعيوب المسارين العلمي والأدبي، وبعد عمل مقارنة بسيطة وجدت أن المسار العلمي هو الأفضل ولكن المسار الأدبي هو الأنسب ليكون عندي من الوقت أثناء الدراسة ما يكفي لتطوير نفسي في المجالات التقنية، وفي السنة الثالثة شاهدت لقاء تلفزيوني لدكتور أحمد زويل وهو يقول أن مدينة زويل لن يكون المجموع من شروط الإلتحاق بها وأن الأولوية ستكون لإختبارات القدرات، ولكن للأسف فوجئت في الإعلان عن فتح باب التقديم للدفعة الأولى بأن المجموع شرط أساسي وأن لا يقل عن 95%.
في نهاية السنة الثالثة تمت إستضافتي في برنامج “واحد من الناس” مع الإعلامي الدكتور عمرو الليثي، وبعد اللقاء سألني عن رأيي في الإلتحاق بجامعة سيناء، فقلت له إذا كنت سأدرس مجالاً له علاقة بتقنية المعلومات فبالطبع لن أمانع، فوعدني بأن يتحدث معهم في هذا الأمر، وبالفعل تواصل معي بعدها ولكن بسبب ظروف البلد في تلك الفترة وخطورة الوضع في سيناء لم تكتمل إجراءات المنحة.
كان أمامي أقل من أسبوع لأختار كلية قبل بداية الدراسة، ولكن كانت كل الخيارات غير مناسبة، وكان أمامي خياران؛ إما أن أفكر بالطريقة التقليدية وأبحث عن أقرب كلية لمجموعي وأختارها وأترك نفسي للتنسيق، أو أن أفكر بطريقة منطقية قد تخالف المنطق الشائع، فاخترت المنطق، وجائت لي فكرة ممتازة، أحضرت ورقة وقلم وكتبت كل الأشياء التي أحتاج أن أنمي مهاراتي بها، وقلت أن أكثر كلية سيحتوي منهجها على مواد لها علاقة بأكبر قدر ممكن من الأشياء التي أحتاجها ستكون هي الكلية المطلوبة.
بعد سرد الكليات التي يحتوي منهجها على مواد ستساعدني على تنمية مهارات أحتاجها، قمت بعمل مقارنة بسيطة وكانت المقارنة في صالح “قسم الإرشاد السياحي بكليات الآثار والسياحة” وذلك لأنه الوحيد الذي يحتوي على ثلاث مميزات، أول ميزة أنه سيساعدني على ممارسة اللغة الإنجليزية يومياً وبشكل عملي أكثر من النظري، والميزة الثانية: أنه سيساعدني على تحسين مهاراتي في العرض والتقديم، والميزة الثالثة: أنه أسهل من غيره وسيتيح لي وقت كافي لمتابعة عملي وتنمية مهاراتي في المجالات التقنية.
وبالفعل ذهبت لأكثر من جامعة وكان المتوفر في تلك الفترة هو قسم الإرشاد السياحي بإحدى كليات السياحة والفنادق، رغم أنني كنت على يقين بأن هذا الإختيار سيكون محل نقد الكثيرين ولكن لم أكترث لهذا ما دمت قد أخذت تلك الخطوة بناء على تفكير منطقي، وعندما شرحت لأسرتي سبب إختياري والذي يتلخص في أنني أرغب في أن أختار كلية تضيف لي شيئاً أحتاجه بدلاً من تكرار مأساة الثانوية العامة وأدرس مواد لا علاقة لها باحتياجاتي واحتاياجات سوق العمل؛ فتفهموا الأمر ولم يمانعوني.
وبعد 3 سنوات في الجامعة وها أنا أكتب هذا الكلام أيقنت أن هذا القرار كان صائباً، حيث أن مستواي في اللغة تقدم بشكل ملحوظ، وكان لدي متسع من الوقت إستغليته في تنمية مهاراتي في تصميم المواقع الإلكترونية، وتعلمت جزءاً كبيراً في التسويق الرقمي وعملت به لمدة عامان ومازلت أعمل به حتى الآن، وما كنت لأحقق كل هذا لو كنت إتبعت الطريق التقليدي في الإختيار، فالحمد لله.